فصل: مقتل خاقان.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل خاقان.

ولما كانت سنة تسع عشرة غزا أسد بن عبد الله بلاد الختل فافتتح منها قلاعا وامتلأت أيدي العسكر من السبي والشاء وكثب بن السائحي صاحب البلاد يستجيش خاقان على العرب ويضعفهم له فتجهز وخفف من الأزودة استعجالا للعرب فلما أحس به ابن السائحي بعث بالنذير إلى أسد فلم يصدقه فأعاد عليه أني الذي استمددت خاقان لأنك معرت البلاد ولا أريد أن يظفر بك خشية من معاداة العرب واستطالة خاقان علي فصدقه حينئذ أسد وبعث الأثقال مع إبراهيم بن عاصم العقيلي الذي كان ولي سجستان وبعث معه المشيخة كثير بن أمية وأبا سفيان بن كثير الخزاعي وفضيل بن حيان المهري وغيرهم وأمدهما بجند آخر وجاء في أثرهم فانتهى إلى نهر بلخ وقد قطعه إبراهيم بن عاصم بالسبي والأثقال فخاض النهر من ثلاثة وعشرين موضعا وحمل الناس شياههم حتى حمل هو شاة فما استكمل العبور حتى طلعت عليهم الترك وعلى المسلمة الآزد وتميم فحمل خاقان عليهم فانكشفوا فرجع أسد إلى عسكره وخندق وظنوا أن خاقان لا يقطع النهر فقطع النهر إليهم وقاتله المسلمون في معسكرهم وباتوا والترك محيطون بهم فلما أصبحوا لم يروا منهم أحد فعلموا أنهم اتبعوا الأثقال والسبي واستعملوا علمها من الطلائع فشارو أسد الناس فأشاروا بالمقام وأشار نصر بن سيار باتباعهم يخلص الأثقال ويقطع شقة لا بد من قطعها فوافقه أسد وطير النذير إلى إبراهيم بن عاصم وصبح خاقان للأثقال وقد خندقوا عليهم فأمر أهل الصغد بقتلهم فهزمهم مسلحة المسلمين فصعد على تل حتى رأى المسلمين من خلفهم وأمر الترك أن يأتوهم من هنالك ففعلوا وخالطوهم في معسكرهم وقتلوا صاغان خذاه وأصحابه وأحسوا بالهلاك وإذا بالغبار قد رهج والترك يتنحون قليلا قليلا وجاء أسد ووقف على التل الذي كان عليه خاقان وخرج إليه بقية الناس وجاءته إمرأة صاغان خذاه معولة فأعول معها ومضى خاقان يقود أسرى المسلمين في الآفاق ويسوق الإبل الموقورة والجواري وأراد أهل العسكر قتالهم فمنعهم أسد ونادى رجل من عسكر خاقان وهو من أصحاب الحرث بن شريح يعير أسدا ويحرضه ويقول: قد كان لك عن الختل مندوحة وهي أرض آبائي وأجدادي قد كانت ما رأيت ولعل الله ينتقم منك ومضى أسد إلى بلخ فعسكر في مرجها حتى جاء الشتاء فدخل البلد وشتى فيها وكان الحرث بن شريح بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان وأغراه بغزو خراسان وزحفوا إلى بلخ وخرج أسد يوم الأضحى فخطب الناس وعرفهم بأن الحرث بن شريح استجلب الطاغية ليطفئ نور الله ويبدل دينهم وحرضهم على الإستنصار بالله وقال أقرب ما يكون العبد لله ساجدا ثم سجد وسجد الناس وأخلصوا الدعاء وخرج للقائهم وقد استمد خاقان من وراء النهر وأهل طخارستان وحبونة في ثلاثين ألفا وجاء الخبر إلى أسد وأشار بعض الناس يالتحصن منهم بمدينة بلخ واستمد خالد وهشام وأبى الأسد إلا اللقاء فخرج واستخلف على بلخ الكرماني بن علي عهد إليه أنه لا يدع أحدا يخرج من المدينة واعتزم نصر بن سيار والقاسم بن نجيب وغيرهم على الخروج فأذن لهم وصلى بالناس ركعتين وطول ثم دعا وأمر الناس بالدعاء ونزل من وراء القنطرة ينتظر من تخلف ثم بدا له وارتحل فلقي طليعة خاقان وأسر قائدهم وسار حتى نزل على فرسخين من الجوزجان ثم أصبحوا وقد تراءى الجمعان وأنزل أسد الناس ثم تهيأ للحرب ومعه الجوزجان وحملت الترك على الميسرة فانهزموا إلى رواق أسد فشدت عليهم الأسد وبنو تميم والجوزجان من الميمنة فانكشفوا إلى خاقان وقد انهزم والحرث معه واتبعهم الناس ثلاثة فراسخ يقتلونهم واستاقوا مائة وخمسين ألفا من الشاء ودواب كثيرة وسلك خاقان غير الجادة والحرث بن شريح ولقيهم أسد عند الطريق وسلك الجوزجان بعثمان بن عبد الله بن الشخير طريقا يعرفها حتى نزلوا على خاقان وهو آمن فتركوا الأبنية والقدور تغلي وبناء العرب والموالي والعسكر مشحون من آنية الفضة وركب خاقان والحرث يمانع عنه وأعجلوا إمرأة خاقان عن الركوب فقتلها الخصي الموكل بها وبعث أسد بجوار الترك دهاقين خراسان يفادون بها أسراهم وأقام خمسة أيام وانصرف إلى بلخ لتاسعة من خروجه ونزل الجوزجان وخاقان هارب أمامه وانتهى خاقان إلى جونة الطخاري فنزل عليه وانصرف أسد إلى بلخ وأقام خاقان عند جونة حتى أصلح آلته وسار وسبيه بها فأخذه جدكاوش أبو فشين فأهدى إليه وأتحفه وحمل أصحابه يتخد بذلك عنده يدا ثم وصل خاقان بلاده وأخذ في الاستعداد في الحرب ومحاصرة سمرقند وحمل الحرث وابن شريح وأصحابه على خمسة آلاف برذون ولاعب خاقان بالنرد كورصول يوما فغمزه كورصول فأنف وتشاجر فصك كورصول يد خاقان فخلف خاقان ليكسرن يده فتنحى وجمع ثم بيت خاقان فقتله وافترق الترك وحملوه وتركوه بالعراء فحمله بعض عظمائهم ودفنه وكان أسد بعث بالفتح من بلخ إلى خالد بن عبد الله فأخبره وبعث به هشام فلم يصدقه ثم بعده القاسم بن نجيب بقتل خاقان فحثت قيس أسدا وخالدا وقالوا لهشام: استقدم مقاتل بن حيان فكتب بذلك إلى خالد فأرسل إلى أسد أن يبعث به فقدم على هشام والأبرش وزيره جالس عنده فقص عليه الخبر فسر بذلك وقال لمقاتل: ما حاجتك؟ قال يزيد بن المهلب أخذ من حيان أبي مائة ألف درهم بغير حق فأمر بردها علي فاستحلفه وكتب له بردها وقسمها مقاتل بين ورثة حيان ثم غزا أسد الختل بعد مقتل خاقان وقدم مصعب بن عمر الخزاعي إليها فسار إلى حصن بدر طرخان فاستأمن له أن يلقي أسدا فأمنه وبعث إلى أسد فسأل أن يقبل منه ألف درهم وراوده على ذلك فأبى أسد ورده إلى مصعب ليرده إلى حصنه فقال له مسلمة بن أبي عبد الله وهو من الموالي: إن أمير المؤمنين سيندم على حبسه ثم أقبل أسد بالناس ووعد له المجشر بن مزاحم بدرطرخان أو قبول ما عرض فندم أسد وأرسل إلى مصعب يسأل عنه فوجده مقيما عند مسلمة فجيء به وقطعت يده ثم أمر رجلا من الأزد كان بدرطرخان قتل أباه فضرب عنقه وغلب على القلعة وبعث العساكر في بلاد الختل فامتلأت أيديهم من الغنائم والسبي وامتنع ولد بدرطرخان وأمواله في قلعة بلدهم صغيرة فلم يوصل إليهم.